الخبر المشير إلى خروج رجل من وراء النهر -يعنى نهر جيحون من خراسان الكبرى- يقال له «المنصور» بين يدي رجل يقال له «حارث بن حرّاث» من أجل التمهيد لحكومة آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، خبر واحد رواه أبو داود في سننه وقال يوسف بن يحيى: «أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِهِ الْمَصَابِيحَ» وقال فيه المغربيّ: «صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا رِيبَةٍ» وضعّفه غيره، لكن في نُسَخه اختلاف؛ فإنّ الظاهر من النسخة المطبوعة هو أنّ «المنصور» على مقدّمة «حارث بن حرّاث»، وهذا شيء غريب؛ إذ ليس له أيّ شاهد في رواية أخرى، وأمّا سائر النُّسخ فليس فيها «حارث بن حرّاث» ولكن فيها: «الْحَارِثُ، حَرَّاثٌ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَنْصُورٌ» وقال العظيم آبادي: «هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ» وهو كما ترى فيه تقديم وتأخير، ويمكن إرجاعه إلى وحدة المنصور والحارث، لاحتمال أن يكون قوله: «رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَنْصُورٌ» وصفًا للحارث، لا للحرّاث، سواء على سبيل عطف البيان، أو على سبيل الإضراب؛ كقول الرّجل: «يأتي شيخ يقال له العالم، معه غلام، شيخ يقال له الفقيه»، والمراد: «يأتي شيخ يقال له الفقيه ويقال له أيضًا العالم، معه غلام»، أو «يأتي شيخ يقال له الفقيه، بل شيخ يقال له العالم، معه غلام»، وممّا يقوّي ذلك أنّه ليس لهذا «الحارث» ذكر في الروايات الأخرى، وإنّما المذكور فيها «المنصور»، مع أنّه لو كان «المنصور» على مقدّمة «الحارث» لكان «الحارث» أولى بالذكر من «المنصور»؛ لأنّه كان أميره وقائده؛ إلا أن يكون المراد بـ«الحارث» نفس المهديّ؛ لأنّه هو الوحيد الذي ذُكر في الروايات الأخرى أكثر ممّا ذُكر المنصور، ويدلّ على هذا ما رواه ابن حيّون (ت٣٦٣ه) من طريق عبد الرزاق، عن عليّ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «يَقُومُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، عَلَى مُقَدَّمَتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمَنْصُورُ، يُوَطِّئُ لَهُ -أَوْ قَالَ: يُمَكِّنُ لَهُ- وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نُصْرَتُهُ -أَوْ قَالَ: إِجَابَتُهُ» ولا شكّ أنّه نفس الخبر الذي رواه أبو داود، إلا أنّه من طريق آخر، وليس فيه ذكر الحارث، وهو ظاهر في أنّ المنصور على مقدّمة المهديّ وليس على مقدّمة رجل آخر، وعليه فإنّ «الحارث» -إن ثبت أصل وروده ولم يكن مصحّفًا- فهو من ألقاب الإمام المهديّ عليه السلام الذي سيكون قبل ظهوره بما وراء النهر ويصاحبه المنصور الخراسانيّ؛ كما جاء في بعض الروايات إشارةً إلى الرايات السود الخراسانيّة: «فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ» وفي رواية: «فَإِنَّ الْمَهْدِيَّ وَالنَّصْرَ مَعَهُمْ»، ولا يبعد أن تكون كلمة «النصر» تصحيفًا لكلمة «المنصور» ويكون في أصل الرواية «فَإِنَّ الْمَهْدِيَّ وَالْمَنْصُورَ مَعَهُمْ»؛ كما جاء في رواية: «مِنَّا الْمَهْدِيُّ وَالْمَنْصُورُ» وهذا يوضّح معنى خبر أبي داود، وقد يكون في باب الرواية التي تقول في المهديّ: «مِنَ الْمَغْرِبِ يَقُومُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهُنَاكَ يَسْتَوِي قِيَامُهُ وَيَتِمُّ أَمْرُهُ».
كيفما كان، فإنّ الأخبار المشيرة إلى خروج رجل من خراسان الكبرى مع الرايات السود يقال له «المنصور» يدعو إلى المهديّ ويوطّئ لحكومته، لا تقتصر على هذا الخبر الواحد، وقد يعتقد رجال أنّه هو السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى؛ لأنّه قد خرج من خراسان الكبرى مع رايات سود ويدعو إلى المهديّ عليه السلام ويوطّئ لحكومته كما جاء في الأخبار تمامًا، ولكنّ الواقع أنّه لا يدّعي ذلك، ولعلّه هو، ولكنّه لا يخوض في ذلك لكراهته التكلّف والكلام فيما لا يعنيه، وقد أغناه اللّه تعالى عن ذلك بما لا غبار عليه؛ إذ ليست حركته حركة وهميّة ومصطنعة حتّى تحتاج إلى أمثال هذه الإدّعاءات، لكنّها حركة تقوم على الحقائق العينيّة والواقعيّة؛ كما أنّ خروجه من خراسان الكبرى هو أمر محسوس، وراياته السود هي أمر محسوس، ودعوته إلى المهديّ والتمهيد لحكومته هي أمر محسوس، وكتابه الكبير «العودة إلى الإسلام» هو هندسة ثقافيّة وأيديولوجيّة للثورة العالميّة. لذلك، ما أقصر نظر الذين يريدون فتح باب أمثال هذه الإدّعاءات على هذه النهضة العينيّة والواقعيّة، ليضرّوا بمتانتها ورصانتها من خلال هذا الأسلوب غير المدروس، ويجعلوا عباد اللّه القلقين والمتشائمين يشكّون فيها، ويعينوا المتذرّعين والإنتهازيّين عليها، في حين أنّهم لو كانوا يبحثون عن الحقّ لرأوه بأعينهم، ولو كانوا يبحثون عن الواقع لسمعوه بآذانهم، وحينئذ ما كانوا يتركون المحكمات من أجل المتشابهات! كما أخبرنا عدّة من أصحابنا، قالوا: جاء رجل من أرض بعيدة إلى المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، وبعد كلام جرى بينهما أمسك بيده وقال: «أشهد أنّك الممهّد الموعود للمهديّ الذي أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بنصره»! فلمّا سمع المنصور هذا، سحب يده على الفور من يد الرجل وقال له معاتبًا إيّاه:
دَعْنِي مِنْ هَذَا يَا أَخِي! أَقَطَعْتَ كُلَّ هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ أَرْضِكَ لِتَأْتِيَنِي فَتَخْدَعَنِي عَنْ دِينِي؟! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُمَهِّدُ لِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ وَلَكِنْ لَا أُبَالِي بِأَيِّ الْأَسْمَاءِ تُسَمِّينِي؛ فَإِنِّي لَمْ أَجْعَلِ السَّمَاءَ سَقْفِي وَالْأَرْضَ بِسَاطِي، وَلَمْ أَرْمِ نَفْسِي فِي مُحِيطِ الْبَلَاءِ كَقِطْعَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، لِتَأْتِيَنِي أَنْتَ مِنْ أَرْضِكَ فَتُسَمِّيَنِي الْمَوْعُودَ! أَلَسْتُ ابْنَ الْإِنْسَانِ؟! فَسَمِّنِي ابْنَ الْإِنْسَانِ وَصَاحِبْنِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي أَسْلُكُهُ؛ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الْمَهْدِيِّ وَسَوْفَ أَصِلُ إِلَيْهِ مَعَكَ أَوْ بِدُونِكَ.
ثمّ نهض ليذهب، فقال بصوت عالٍ:
أَنَا مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ الْمَهْدِيِّ يُنَادِي: افْتَحُوا الطَّرِيقَ!
الآن أيّها «الشباب المحبّون للمهديّ»!
إن كنتم محبّين حقيقيّين للمهديّ فاعلموا أنّ نصرة «الممهّد الموعود لظهور المهديّ» ليست واجبة لأنّه «موعود»، لكنّها واجبة لأنّه «ممهّد لظهور المهديّ»، إذ لم يعده اللّه ورسوله إلا لذلك، فإن كنتم «الشباب المحبّين للمهديّ» كما تقولون، فيجب عليكم أن تقوموا بنصرة «الممهّد لظهور المهديّ» وإن لم تعتبروه «موعودًا». طوبى لمن كانت له بصيرة؛ لأنّه يرى الحقّ من وراء ألف حجاب، وويل لمن كان أعمى؛ لأنّه لا يرى الحقّ وإن كان أمام عينيه!
أمّا روايتكم المشيرة إلى تقارن المريخ وزحل ودلالة ذلك على الأحداث القريبة من ظهور المهديّ، فهي رواية ضعيفة جدًّا لا يجوز الإعتماد عليها؛ لا سيّما بالنظر إلى مخالفتها لنواهي الإسلام عن النظر في النجوم للتنبّؤ بالأحداث المستقبليّة، حتّى لو كانت له حقيقة مثل السحر.
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة