الثلاثاء ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٣ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
موانع العودة إلى الإسلام؛ اختلاف المسلمين

تاريخيًّا، بحسب الرّوايات المتواترة، من المسلّم به أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم اختلفوا في من يكون له الحكم من بعده؛ فرأى فريق منهم أنّه يكون لأهل بيته، ورأى الفريق الآخر أنّه يكون لغيرهم، في حين أنّ مثل هذا الإختلاف بين المسلمين غريب وغير متوقّع للغاية؛ إذ لا شكّ أنّ الحكم في الإسلام للّه دون غيره، وهذا من المبادئ الواضحة والضّروريّة للإسلام؛ كما قال اللّه مؤكّدًا: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ. [العودة إلى الإسلام، ص١١٩]

موانع العودة إلى الإسلام؛ اختلاف المسلمين

إنّ النّاس ليس لهم أدنى نصيب من الحاكميّة؛ كما قال اللّه مستبعدًا: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا. بل إنّ الحاكميّة كلّها للّه خاصّة؛ لأنّه الوحيد الذي خلق العالم، ويعلم احتياجاته، ويقدر على توفيرها، ومن الواضح أنّه يمارس حاكميّته، لا من خلال الجبر التكوينيّ أو إرسال الملائكة، ولكن من خلال جعل خليفة في الأرض؛ كما قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، وعلى سبيل المثال جعل داوود عليه السّلام خليفة في الأرض وقال: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. [العودة إلى الإسلام، ص١١٩]

موانع العودة إلى الإسلام؛ اختلاف المسلمين

هذا من الطبيعيّ والمفهوم تمامًا أنّ حكومة اللّه تتحقّق إذا كان اختيار الحاكم بيده؛ لأنّه مادام اختيار الحاكم بيد الآخرين وليس بيده، فلا يمكن اعتبار الحكومة له، وهذا ما أشار إليه بنفسه إذ قال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لذلك، فإنّ كون الحاكميّة للّه لا معنى له في الواقع العمليّ إلّا أنّها مبنيّة على اختياره بغضّ النظر عن اختيار الآخرين؛ كما قال: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. [العودة إلى الإسلام، ص١٢٠]

موانع العودة إلى الإسلام؛ اختلاف المسلمين

من الإنصاف أنّ كون آل النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مصطفين لخلافة اللّه في الأرض وتعليم المسلمين هو من أوضح مبادئ الإسلام، وليس أمرًا غريبًا أو جديدًا بأيّ وجه من الوجوه؛ لأنّ دأب اللّه كان دائمًا على اصطفاء آل أنبيائه وذرّيّتهم، وهذا بمثابة سنّته في الأمم السّابقة؛ كما أخبر عن ذلك فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. [العودة إلى الإسلام، ص١٣٣]

موانع العودة إلى الإسلام؛ اختلاف المسلمين

من الواضح أنّ إنعام اللّه على آل الأنبياء هو قاعدة عامّة وثابتة؛ كما أنّه بالإضافة إلى آل إبراهيم الذين ترحّم وبارك عليهم تحت عنوان «أهل البيت»، فقد ذكر إنعامه على آل يعقوب، وآل لوط، وآل عمران، وآل موسى، وآل هارون، وآل داوود، ولذلك فإنّ إنعامه على آل محمّد، وهو أفضل أنبيائه، أمر طبيعيّ، بل أولى؛ بصرف النّظر عن حقيقة أنّ آل محمّد هم في الأساس جزء من آل إبراهيم، وقد أخبر اللّه عن بقاء حكومته فيهم بصفتهم عقب إبراهيم وذرّيّته الطاهرين. [العودة إلى الإسلام، ص١٣٤]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

إِنَّمَا مَثَلُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ طِفْلٍ ضَلَّ وَالِدَتَهُ فِي زِحَامٍ مِنَ النَّاسِ؛ فَعَلَى أَمَلِ الْعُثُورِ عَلَيْهَا، يَأْخُذُ بِحُجْزَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ وَيَتْبَعُهَا حِينًا، حَتَّى إِذَا أَحَسَّ مِنْهَا جَفْوَةً وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَالِدَتَهُ، تَرَكَهَا وَتَعَلَّقَ بِحُجْزَةٍ أُخْرَى، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَتْهُ فَحْمَةُ اللَّيْلِ وَأَهْلَكَتْهُ صِرَّتُهُ، وَمَا لَهُ مِنْ نَصِيرٍ! لَقَدْ كَانَ هَذَا مَثَلَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِذْ تَعَلَّقْتُمْ بِكُلِّ حُكُومَةٍ وَاتَّبَعْتُمُوهَا لِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، آمِلِينَ لِنَيْلِ الْعَدْلِ، حَتَّى إِذَا لَقِيتُمْ مِنْهَا ظُلْمًا وَعَلِمْتُمْ أَنَّهَا غَيْرُ ذَاتِ عَدْلٍ، أَطَحْتُمُوهَا صَارِخِينَ وَتَحَوَّلْتُمْ إِلَى حُكُومَةٍ أُخْرَى! فَهَكَذَا فِي طَلَبِ الْعَدْلِ قَدْ مِلْتُمْ أَحْيَانًا إِلَى الشَّرْقِ وَأَحْيَانًا إِلَى الْغَرْبِ، وَهَرَعْتُمْ أَحْيَانًا إِلَى الْيَمِينِ وَأَحْيَانًا إِلَى الشِّمَالِ، وَأَقْبَلْتُمْ أَحْيَانًا عَلَى زَيْدٍ وَأَحْيَانًا عَلَى عَمْرٍو، وَتَعَلَّقْتُمْ أَحْيَانًا بِالْمَلِكِيَّةِ وَأَحْيَانًا بِالْجُمْهُورِيَّةِ! مَعَ أَنَّ الْعَدْلَ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْقِ وَلَا فِي الْغَرْبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْيَمِينِ وَلَا فِي الشِّمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَيْدٍ وَلَا فِي عَمْرٍو، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَلِكِيَّةِ وَلَا فِي الْجُمْهُورِيَّةِ! إِنَّمَا كَانَ الْعَدْلُ فِي حُكُومَةِ اللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ أَقْدَارَكُمْ وَمَوَاضِعَكُمْ، وَلَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا غَيْرُهُ مَهْمَا بَالَغَ فِي الْفَحْصِ وَالْجَهْدِ، إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ مَهْدِيًّا إِلَيْهَا... [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

إِنَّمَا كَانَ الْعَدْلُ فِي حُكُومَةِ اللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ أَقْدَارَكُمْ وَمَوَاضِعَكُمْ، وَلَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا غَيْرُهُ مَهْمَا بَالَغَ فِي الْفَحْصِ وَالْجَهْدِ، إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ مَهْدِيًّا إِلَيْهَا، لَكِنَّكُمْ يَئِسْتُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَغَفَلْتُمْ عَنْ مَهْدِيِّهِ، فَسَلَّمْتُمُ الْحُكُومَةَ الَّتِي رَضِيَهَا لِمَهْدِيِّهِ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَرْضَ لَهُمْ حُكُومَةً! كَأَنَّ الْحُكُومَةَ مِيرَاثُ آبَائِكُمْ، إِذْ تَنْزِعُونَهَا مِمَّنْ تَشَاؤُونَ وَتُؤْتُونَهَا مَنْ تَشَاؤُونَ، وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلَّهِ الَّذِي يَقُولُ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَهُوَ قَدْ آتَاهَا إِبْرَاهِيمَ وَجَعَلَهَا عَهْدًا إِلَى الَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، وَالَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هُمُ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَهْدِيَّ اللَّهِ هُوَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ مَنِ اخْتَارَ حَاكِمًا غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا. [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا فِي كُلِّ زَمَانٍ أَحَدًا وَعَقَدُوا لَهُ وِلَايَةً، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَقَوَّاهُ لِذَلِكَ!... أَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَعْيُنٌ لِيُبْصِرُوا بِهَا أَنَّ حُكَّامَهُمْ جَمِيعًا يَظْلِمُونَ وَلَا يَعْدِلُونَ؟! أَوْ لَيْسَ لَهُمْ آذَانٌ لِيَسْمَعُوا بِهَا أَنَّ سَاسَتَهُمْ جَمِيعًا يَكْذِبُونَ وَلَا يَصْدُقُونَ؟! أَوْ لَيْسَ لَهُمْ ذَكَاءٌ لِيَفْطَنُوا بِهِ أَنَّ قَادَتَهُمْ جَمِيعًا يُضِلُّونَ وَلَا يَهْدُونَ؟! فَإِلَى مَتَى يَظِلُّ هَذَا الْجُرْحُ الْمُتَقَيِّحُ مَفْتُوحًا، وَإِلَى مَتَى يَسْتَمِرُّ هَذَا الْجُنُونُ؟! أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَخْبِرُونِي إِلَى مَتَى يَجِبُ أَنْ تَتَمَايَلُوا يَمِينًا وَشِمَالًا كَرَجُلٍ سِكِّيرٍ، حَتَّى تَفْقَهُوا أَنَّ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ، وَلَيْسَ فِي أَيٍّ مِنْهُمَا الْعَدْلُ؟! أَخْبِرُونِي كَمْ حُكُومَةً أُخْرَى يَجِبُ أَنْ تُجَرِّبُوهَا، وَكَمْ طَاعَةً أُخْرَى يَجِبُ أَنْ تُعَوِّضُوهَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ غَيْرَ حُكُومَةِ اللَّهِ تُوصِلُكُمْ إِلَى الْعَدْلِ، وَلَا طَاعَةَ غَيْرَ طَاعَةِ اللَّهِ تُنْجِيكُمْ مِنَ الظُّلْمِ؟! أَلَمْ تَكْفِكُمْ هَذِهِ التَّجْرِبَةُ الْبَالِغَةُ آلَافَ السِّنِينَ؟! أَلَمْ تَكْفِكُمْ هَذِهِ الْغَرَامَاتُ الْبَاهِظَةُ؟! أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّمَارِدَةَ وَالْفَرَاعِنَةَ؟! أَلَمْ تَتَحَمَّلُوا الْأَكَاسِرَةَ وَالْقَيَاصِرَةَ؟! أَلَمْ تَرَوُا الْخُلَفَاءَ وَالْمُلُوكَ؟! أَلَمْ تُجَرِّبُوا الْجُمْهُورِيَّاتِ وَالْإِسْلَامِيَّاتِ؟! أَفَلَمْ تَعْتَبِرُوا بَعْدُ؟! [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

أَلَا يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ الظَّالِمُونَ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ الْمَظْلُومِينَ لِكَسْبِ السُّلْطَةِ وَحِفْظِهَا! أَلَا يَا أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ الْمُرَاؤُونَ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ عُمَّالَ اللَّهِ وَأُولِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ! أَلَا يَا أَيُّهَا السِّيَاسِيُّونَ الطَّامِعُونَ الَّذِينَ يَتَزَاحَمُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْحُكُومَةِ! أَلَا يَا أَيُّهَا الْأَحْزَابُ السِّيَاسِيَّةُ الْمَاكِرَةُ الَّتِي لَا تَبْتَغِي شَيْئًا سِوَى السُّلْطَةِ! أَلَا يَا أَيَّتُهَا الْفِرَقُ وَالْعِصَابَاتُ الْمُفْسِدَةُ الَّتِي تَسْعَى فِي الْأَرْضِ لِنَيْلِ الْعُلُوِّ! كُفُّوا عَنِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْمَنْكُوبِينَ، وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِهِمْ! أَلَمْ يَكْفِ آلَافُ السِّنِينَ مِنَ الْجَوْرِ وَالْإِفْسَادِ؟! أَلَمْ يَكْفِ تَارِيخٌ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ؟! أَلَمْ تَسْأَمُوا مِنْ إِثَارَةِ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ طَوَالَ هَذَا الْوَقْتِ الطَّوِيلِ؟! فَمَتَى تَنْتَهُونَ عَنْ هَذِهِ اللُّعْبَةِ الصِّبْيَانِيَّةِ؟! فَمَتَى تَتَوَقَّفُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْمُتَكَرِّرَةِ؟! [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

أَيُّهَا النَّاسُ! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى أَصْلِكُمْ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا عَهْدَ اللَّهِ إِلَى أَبِيكُمْ آدَمَ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَرُدُّوا الْأَمَانَةَ إِلَى أَهْلِهَا وَتُسَلِّمُوا الْحُكُومَةَ إِلَى صَاحِبِهَا؟! هَلْ مَا زِلْتُمْ تَأْمُلُونَ فِي هَذِهِ الْحُكُومَاتِ الْمُتَلَوِّنَةِ؟! هَلْ مَا زِلْتُمْ تَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ عَمْرٌو مَكَانَ زَيْدٍ لَاسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ؟! كَمْ مِنْ عَمْرٍو جَاءَ مَكَانَ زَيْدٍ، فَلَمْ تَسْتَقِمِ الْأُمُورُ؛ لِأَنَّ اسْتِقَامَتَهَا كَانَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ! فَإِلَى مَتَى تَقْعُدُونَ آمِلِينَ فِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَتَرْفَعُونَ رَايَةَ كَذَا وَكَذَا؟! إِلَى مَتَى تُذِلُّونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُقَبِّلُونَ أَيْدِي الرِّجَالِ؟! إِلَى مَتَى يَغُرُّكُمُ الْوُعُودُ الْكَاذِبَةُ، وَيَلْعَبُ بِكُمُ الْآمَالُ الْبَعِيدَةُ؟! إِلَى مَتَى تَدُورُونَ حَوْلَ مِحْوَرٍ وَاحِدٍ كَحُمُرِ الطَّاحُونَةِ، وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَتَقَدَّمُونَ؟! [الرسالة الرابعة عشرة]

في أنّ المهديّ لماذا يقال له «المهديّ».

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَهْدِيًّا، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَقَالَ: ﴿كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ؟ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ الْمَهْدِيُّ لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى مَا لَمْ يُهْدَ إِلَيْهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا. [الفقرة ٣ من القول ١٢٦]

في أنّ المهديّ لماذا يقال له «المهديّ».

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ الْمَهْدِيُّ، فَقُلْتُ: لِمَاذَا يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ، قُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَهْدِي كُلَّ مُؤْمِنٍ؟! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ يُبَاشِرُ هِدَايَةَ الْمَهْدِيِّ وَيُتِمُّهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ إِذَا خَرَجَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. [الفقرة ٤ من القول ١٢٦]

في أنّ المهديّ لماذا يقال له «المهديّ».

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: لِمَاذَا يُقَالُ لِلْمَهْدِيِّ مَهْدِيٌّ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ ضَالُّونَ. [الفقرة ٥ من القول ١٢٦]

في أنّ المهديّ إذا جاء استعمل كلّ رجل فيما هو صالح له.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ إِذَا جَاءَ لَا يَدَعُ أَحَدًا حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا هُوَ أَهْلُهُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فِي بَيْتِهِ، لَا شَأْنَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ، وَلَا يَعْبَئُونَ بِهِ، فَيَأْتِيهِ آتٍ، وَيَقُولُ لَهُ: «يَدْعُوكَ الْإِمَامُ»، فَيَتَعَجَّبُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ: لَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْكَ! فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: «قَدْ أَمَّرْتُكَ عَلَى بَلَدِ كَذَا»! [الفقرة ١ من القول ١٢٧]

في أنّ المهديّ إذا جاء استعمل كلّ رجل فيما هو صالح له.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: كَأَنِّي بِرَاعٍ فِي جَبَلٍ، يَرْعَى غَنَمَهُ، فَيَأْتِيهِ رَسُولٌ يَدْعُوهُ إِلَى الْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا حَضَرَهُ قَالَ لَهُ: «قَدْ أَمَّرْتُكَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ»! فَسَكَتَ هُنَيْئَةً، ثُمَّ قَالَ: وَكَأَنِّي بِأَمِيرِ قَوْمٍ، قَدِ اتَّكَأَ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَأْتِيهِ رَسُولٌ يَدْعُوهُ إِلَى الْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا حَضَرَهُ قَالَ لَهُ: «ارْعَ غَنَمَ بَنِي فُلَانٍ»! [الفقرة ٢ من القول ١٢٧]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ [ت٢٧٩هـ] فِي «سُنَنِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»، وَقَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَهُمْ ثَوْبَانُ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالْمُغَيْرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاوِيَةُ، وَقُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ الْمُزَنِيُّ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ الْكِنْدِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ مُرَّةَ الْبَهْزِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ الْحَضْرَمِيُّ. [الباب ١، الدرس ٢٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَدْخَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَتَى كَانَ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْحَقِّ؟! أَحِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَفَتَنُوا أَصْحَابَهُ، أَوْ حِينَ قَتَلُوا حُسَيْنًا وَطَافُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَادِ، أَوْ حِينَ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَسَفَكُوا دِمَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟! كَلَّا، بَلْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى الْبَاطِلِ مُنْذُ كَانُوا، وَسَيَكُونُونَ أَعْوَانَ السُّفْيَانِيِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي فَضْلِهِمْ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا وَضَعَهُ شِيعَةُ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى عَهْدِ مُعَاوِيَةَ وَمَرْوَانَ وَآلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيَقُولَ كَذِبًا، وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَقِيلَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ لِمَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: «لَا تَزَالُ الْعَرَبُ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» يَعْنِي طَائِفَةً مِنَ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرْبِ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ وَهِيَ مِنْ أَثَاثِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الشِّدَّةِ وَالْبَأْسِ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَئِمَّةُ الْهُدَى. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ ذَكَرَهُمْ بَعْدَ التَّخْوِيفِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ؟ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامِ هُدًى حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. [الباب ١، الدرس ٢٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ».

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ صَدُوقٌ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ وَالطُّفَاوِيُّ. [الباب ١، الدرس ٢٧]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الطَّائِفَةُ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَئِمَّةُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الثَّقَلَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْقُرْآنَ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَآخِرُهُمُ الَّذِي يُقَاتِلُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. [الباب ١، الدرس ٢٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» يَعْنِي غَالِبِينَ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ وَإِنْ كَانُوا مَغْلُوبِينَ بِالْقُوَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ كَانُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنَ الصِّدْقِ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا غَالِبِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ غَلَبَتُهُمْ بِالْحُجَّةِ، وَهَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ رُسُلِهِ قُتِلُوا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَغْلُوبِينَ فِي الدُّنْيَا أَحْيَانًا، كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» غَلَطًا أَوْ تَحْرِيفًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ»، وَلَمْ يَجِئْ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ «يُجَاهِدُونَ -أَوْ يُقَاتِلُونَ- عَلَى الْحَقِّ»، وَلَمْ يَجِئْ أَنَّهُمْ ظَاهِرُونَ أَبَدًا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ «عَلَى الْحَقِّ» فَقَطُّ، وَهَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ الْوَارِدُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى. [الباب ١، الدرس ٢٨]

لا دلالة في الحديث على أنّ المدينة تكون عاصمة المهديّ، والثابت أنّ المهديّ يهرب من المدينة إلى مكّة في أوان ظهوره خوفًا من جيش السفيانيّ، فينصره اللّه تعالى عليهم ويخسف بهم الأرض، وهذا من أهمّ علامات ظهوره، والمرويّ عن أهل البيت أنّ عاصمته هي الكوفة... وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة الإسناد إلا أنّه يقوّي بعضها بعضًا، ويزيدها قوّة ما روى أهل الحديث في فضل الكوفة؛ كما روى ابن سعد... عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّه قال: «إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالْمَهْدِيِّ أَهْلُ الْكُوفَةِ»، ... هذه الأقوال تدلّ على أنّ الكوفة تكون عاصمة المهديّ إن شاء اللّه، وكان هذه الأقوال بسبب أنّ الكوفة كانت مأوى كبار الصحابة؛ كما روي... عن فطر بن خليفة أنّه قال: «نَازَعَنِي قَتَادَةُ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، فَقُلْتُ: دَخَلَ الْكُوفَةَ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا، وَدَخَلَ الْبَصْرَةَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَسَكَتَ»؛ ثمّ إنّها كانت معقل المجاهدين؛ كما روي عن عمر أنّه قال: «الْكُوفَةُ رُمْحُ اللَّهِ، وَكَنْزُ الْإِيمَانِ...»؛ ثمّ إنّها كانت دار خلافة عليّ ومجمع محبّيه؛ كما قال عبد الرزاق: «قَالَ مَعْمَرٌ مَرَّةً وَأَنَا مُسْتَقْبِلُهُ، وَتَبَسَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا أَحَدٌ فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَأَنَّ الْكُوفَةَ إِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى حُبِّ عَلِيٍّ، مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا وَجَدْتُ الْمُقْتَصِدَ مِنْهُمُ الَّذِي يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِمَعْمَرٍ: وَرَأَيْتَهُ؟ -كَأَنِّي أَعْظَمْتُ ذَاكَ- فَقَالَ مَعْمَرٌ: وَمَا ذَاكَ؟! لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلِيٌّ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْهُمَا مَا عَنَّفْتُهُ إِذَا ذَكَرَ فَضْلَهُمَا إِذَا قَالَ عِنْدِي، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عُمَرُ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ مَا عَنَّفْتُهُ»؛ بالإضافة إلى أنّها كانت في وسط دار الإسلام، وفيها ماء طيّب مبارك وهو الفرات. مع ذلك كلّه، فقد كانت في أهلها خصلة يُخاف منها على المهديّ، وهي سوء معاملة الأمراء، وقيل أنّها أثر دعوة سعد بن أبي وقّاص؛ فإنّه دعا عليهم حين شكوه إلى عمر فقال: «اللَّهُمَّ لَا تُرْضِ عَنْهُمْ أَمِيرًا وَلَا تُرْضِهِمْ بِأَمِيرٍ»! فنرجو أن يعيذه اللّه تعالى من هذه الخصلة الخطيرة التي فعلت بآبائه ما فعلت. [السؤال والجواب ٤٥٩]

إنّما يمنع الإمام المهديّ من الظهور خوفه على نفسه، فإذا أزيل هذا الخوف بجمع القلوب والأيدي على حمايته سيظهر دون أدنى شكّ، وذلك لا يحتاج إلى الإتّصال به، بل كلّ من جمع القلوب والأيدي على حمايته أظهره، وإن لم يكن متّصلًا به، ولذلك يحاول المنصور الهاشميّ الخراسانيّ جمع القلوب والأيدي على حمايته، ولا يدّعي أنّه متّصل به، ومن الواضح أنّه إذا أجاب أحد الحكّام المسلمين دعوته وقام بنصره، حصل المقصود بشكل أسهل وأعجل، لكن أنّى لهم أن يفعلوا ذلك، وقد اتّخذوا إلههم سلطتهم في الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون... بناءً على هذا، فإنّ إعلان أحد الحكّام المسلمين استعداده للتنحّي عن السلطة وتسليمها إلى الإمام المهديّ، مع قيامه بتهيئة الظروف ووضع القوانين والضمانات اللازمة لذلك، تحت إشراف عالم ناصح مستقلّ مثل المنصور الهاشمي الخراسانيّ، يفسح المجال لظهور الإمام المهديّ، وهذا أمر يمكن تحقّقه في كلّ بلد من بلاد المسلمين، ولا شكّ أنّ أيّ بلد من بلادهم تحقّق ذلك فيه يمكنه أن يكون مهجرًا وملاذًا للإمام المهديّ ومبدءًا ومركزًا لحكومته، لكن بالطبع أيّ بلد من بلادهم سبق إلى هذا الأمر، يُعتبر سابقًا بالخير، ويحرز الفضل والشرف المترتّبين على ذلك، وبالتالي يحصل على العديد من الإمتيازات الدنيويّة والأخرويّة بعد استقرار حكومة الإمام المهديّ، ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، ولهذا يجب على الحكّام المسلمين أن يسارعوا إلى هذا الأمر ويتنافسوا فيه، إن كانوا يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويريدون الخير والعافية، ولا يكونوا كحكّام إيران الذين سبقوا في إنكاره والصدّ عنه لسفاهتهم أو نفاقهم، فأصبحوا أشقى الناس وأخسرهم في الدّنيا والآخرة! [السؤال والجواب ١٠]

يدعو المنصور الهاشميّ الخراسانيّ جميع الأعضاء المسلمين في داعش وطالبان والقاعدة والجماعات الأخرى، مثل غيرهم من المسلمين في العالم، إلى مبايعة اللّه تعالى وترك مبايعة غيره، ويسألهم أن ينتهوا عن إثارة الفتنة والإفساد في الأرض، ولا يستمرّوا في التضحية بأنفس وأموال وأعراض المسلمين من أجل طمعهم وحبّهم للرئاسة؛ فقد قال اللّه تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. ممّا لا شكّ فيه أنّ المهديّ خير لمسلمي العالم من أبي بكر البغدادي ومحمّد عمر وأيمن الظواهري وأمثالهم؛ لأنّهم قد يأملون ظهوره، ولا يستأهلون أن يسوّوا له نعليه؛ بالنظر إلى أنّ المهديّ هو خليفة اللّه في الأرض وفقًا لكتاب اللّه وسنّة رسوله المتواترة، ولكنّهم وفقًا لكتاب اللّه وسنّة رسوله المتواترة ليسوا أحدًا. لذلك، من الأفضل لهم وأتباعهم أن يلبّوا دعوة المنصور ويعودوا إلى المهديّ إذا كانوا مسلمين ويبتغون إقامة الإسلام حقًّا. [السؤال والجواب ١٢]

إنّ الذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل تحقيق حكومة اللّه في الأرض من خلال تحقيق حكومة خليفته المهديّ عليه السّلام، هم الشهداء الأحياء، وإن قُتلوا في هذه السبيل فيُعتبرون خير الشهداء في آخر الزمان، بل لا شهيد سواهم في العصر الحاضر؛ لأنّه لا أحد سواهم يجاهد في سبيل تحقيق حكومة اللّه في الأرض، بل يجاهد الجميع من كلّ فرقة في سبيل تحقيق حكومة الآخرين بعلم أو بغير علم، في حين أنّه لا شهادة إلا في سبيل تحقيق حكومة اللّه في الأرض؛ كما قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ، وقال: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ. لذلك، إنّ الذين يُقتلون في سبيل التأسيس أو الحفظ لحكومة قائد داعش، أو قائد طالبان، أو قائد سوريا، أو قائد إيران، أو قائد آخر من قادة الدّول أو الأحزاب، هم أموات، وما تسميتهم بالشهداء إلا خدعة؛ لأنّ الشهيد في الإسلام من يُقتل في سبيل التأسيس أو الحفظ لحكومة خليفة اللّه في الأرض، لا التأسيس والحفظ لحكومة الآخرين، ولا يوجد في العصر الحاضر من يتّصف بهذه الصفة إلا المنصور الهاشمي الخراساني وأصحابه المخلصين، الذين يجاهدون في سبيل التأسيس والحفظ لحكومة المهديّ عليه السّلام. [السؤال والجواب ٧٢]

كمّيّة عدد كافٍ من المسلمين لظهور المهديّ عليه السّلام تابعة لبعض المتغيّرات، إلا أنّ الظاهر من بعض عبارات المنصور حفظه اللّه تعالى هو أنّ اجتماع عشرة آلاف منهم عنده قد يكون كافيًا... لكنّ الأهمّ من كمّيّة هذا العدد هو كيفيّتهم بمعنى حالهم وصفتهم؛ لأنّ عشرة آلاف رجل إذا كانوا ضعفاء في العقيدة والعمل لم يغنوا شيئًا، وإنّما يُعتبرون كافيًا إذا كانوا بمكان عليّ من الإيمان والتقوى؛ لأنّهم إذا كانوا كذلك بارك اللّه فيهم وأنزل عليهم النصر، فلن يُغلبوا إذًا أبدًا، وعليه فإنّ مراد المنصور حفظه اللّه تعالى هو كفاية اجتماع عشرة آلاف رجل عارف بالحقّ عن يقين قد تمّ تعليمهم وتزكيتهم في مدرسته وإعدادهم روحيًّا وجسميًّا لنصرة المهديّ عليه السّلام، لا عشرة آلاف رجل كيفما كانوا... ولذلك جعل حفظه اللّه تعالى هدفه التعليم والتزكية لعدد كافٍ من الناس، لا جمعهم فقطّ... هذا هو التمهيد لظهور المهديّ، وهذا هو مهمّة المنصور الهاشمي الخراساني. [السؤال والجواب ٧١]

الخبر المنسوب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ظهور ٧٣ فرقة بعده إحداها «ناجية» وسائرها أهل النار، هو خبر واحد وغير يقينيّ، وقد بيّن المنصور الهاشمي الخراساني بالتفصيل عدم حجّيّة مثل هذه الأخبار في مباحث من كتابه مثل مبحث «رواج النّزعة الحديثيّة». بغضّ النظر عن حقيقة أنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث، وأنّ ذيله المشهور الذي يقول أنّ الفرقة الناجية هي الجماعة وأنّ الجماعة هي ما كان عليه النبيّ وأصحابه، لا يمكن الإلتزام به، نظرًا للإختلاف الشديد في أقوال وأفعال أصحاب النبيّ، بل يشمّ منها رائحة الوضع. بالإضافة إلى أنّ صدره لا يتوافق مع الواقع المحسوس والخارجيّ؛ لأنّ ظهور ٧٣ فرقة بين المسلمين بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليس ثابتًا، بل لعلّ الثابت خلافه؛ بالنظر إلى أنّ فرق المسلمين المذكورة في كتب الملل والنحل هي أكثر أو أقلّ بكثير من هذا العدد، وحذف بعضها وإضافة بعضها لانطباقها على هذا العدد ليس ممكنًا إلا بتكلّف كثير، بل هو في الغالب ترجيح بلا مرجّح... إنّا لم نضعّف جميع أسانيد هذا الحديث، بل قلنا بصراحة: «إنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث»، وهذا يعني أنّ بعض أسانيده صحيحة في رأيهم، وإن كان فيهم من يضعّف كلّها، مثل ابن حزم (ت٤٥٦هـ) إذ قال في هذا الحديث: «لَا يَصِحُّ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَكَيْفَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟!»، ومال إلى قوله ابن تيميّة (ت٧٢٨هـ) في منهاج السنّة النبويّة، وقال الشوكاني (ت١٢٥٠هـ) «أَنَّ زِيَادَةَ <كُلُّهَا فِي النَّارِ> لَمْ تَصِحَّ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً»، ولا خلاف بينهم في أنّ أكثر أسانيده ضعيفة. [الشبهة والرّدّ ٧]

إنّ الوجوب والحرمة لإقامة الحدود الإسلاميّة على المقصّرين ليسا من جهة واحدة حتّى يكونا متناقضين، ولكنّهما من جهتين مختلفتين؛ كما هو الحال في اجتماع الأمر والنهي الشرعيّين في موضوع واحد، إذ يجتمع عمل واجب مثل الصلاة مع عمل حرام مثل الغصب، كمن يغصب مكان رجل بالصلاة فيه؛ لأنّه من الواضح أنّ الصلاة في هذه الحالة محرّمة من جهة أنّها غصب وواجبة من جهة أنّها عبادة مفترضة، وليس هناك أيّ تناقض لاختلاف الجهتين، وهذه هي الحال في الوجوب والحرمة لإقامة الحدود الإسلاميّة على المقصّرين، والأشبه أنّها هي من باب حرمة القيام بذي المقدّمة قبل القيام بالمقدّمة؛ كما أنّ الصلاة واجبة ولكنّها غير جائزة لمن ليس على طهارة، بحيث أنّه إذا صلّى بغير طهارة فقد أثم، وليس في هذا أيّ تناقض؛ لأنّ حرمة الصلاة في نفس الوقت الذي هي واجبة فيه أمر حدث بسوء اختيار من المكلّف. [الشبهة والرّدّ ٨]

يعتقد السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني أنّ وجوب إقامة الحدود الإسلاميّة على المسلمين هو «وجوب ضمنيّ»؛ بمعنى أنّها واجبة في ضمن إقامة كلّ الإسلام وليست واجبة بمفردها؛ مثل الركوع الذي يجب إتيانه في ضمن الصلاة ولا يعتبر واجبًا في غير الصلاة، إلا أنّ الصلاة واجبة، وبالتالي فإنّ الركوع واجب. لذلك، لو أنّ رجلًا تاركًا للصلاة ركع، فإنّه لم يصلّ بقدر ركوعه ولم يحصل على ثواب الركوع، بل ركوعه باطل ولا يغني من الصلاة شيئًا؛ لأنّه قد تمّ تشريعه باعتباره جزءًا من الصلاة. هذه هي الحال في إقامة الحدود الإسلاميّة؛ فإنّها واجبة في ضمن إقامة كلّ الإسلام ولا تعتبر واجبة في غيرها، إلا أنّ إقامة كلّ الإسلام واجبة، وبالتالي فإنّ إقامة الحدود الإسلاميّة واجبة. لذلك، لو أنّ رجلًا أقام حدًّا قبل أن يقيم أحكام الإسلام التمهيديّة، فإنّه لم يعدل ولم يؤجر، بل ظلم وأثم؛ لأنّ الحدّ قد تمّ تشريعه باعتبار أنّه أحد أحكام الإسلام المتناسبة وأنّه سيتمّ إقامته مع إقامتها... الحاصل أنّه يجب على المسلمين إقامة الحدود الإسلاميّة بإظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى الحكومة، وإذا لم يفعلوا ذلك، فإنّ إقامة الحدود الإسلاميّة من قبلهم تشبه الصلاة بغير وضوء. [الشبهة والرّدّ ٨]

من الواضح أنّ كلّ من يؤمن بوحدانيّة اللّه في التكوين والتشريع والتحكيم، ويؤمن بنبيّه الخاتم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا ينكر شيئًا من أركان دينه مثل الكتاب والملائكة والقيامة والقبلة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد، هو مسلم وإن لم يكن في سائر عقائده يفكّر مثلك وكان لديه تفسير مختلف، وهذه حقيقة معلومة من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة واتّفق عليها السلف الصالح، لدرجة أنّها قد تعتبر من واضحات الإسلام وينسب منكرها إلى الجهل والضلال. لذلك، من الواضح أنّ «جميع الشيعة» لا يعتبرون كفّارًا ومشركين؛ لأنّ معظمهم يؤمنون بوحدانيّة اللّه ونبيّه الخاتم وأركان دينه، وعليه فإنّ اعتبار جميعهم كفّارًا ومشركين حتّى لو كان ذلك بسبب بعض انحرافاتهم وأخطائهم، هو تحكّم وتعسّف محض. [الشبهة والرّدّ ١١]

إنّ تفسير آية التطهير بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعدم تفسيرها بأمّهات المؤمنين، هو تفسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقد رواه عنه العديد من أصحابه مثل عبد اللّه بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وسعد بن أبي وقّاص، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وجعفر بن أبي طالب، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد اللّه، وأبي هريرة، وأبي حمراء، وأبي برزة، وأمّ سلمة، وعائشة، وصفيّة، وغيرهم، وقد جاء في رواية بعضهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال بصراحة: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ: فِيَّ، وَفِي عَلِيٍّ، وَحَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَفَاطِمَةَ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وجاء في رواية بعضهم أنّ بعض أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قالت: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ، إِنَّكِ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ» وفي رواية أخرى: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ وَقَالَ: إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ» وفي رواية أخرى: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّكِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا قَالَ: إِنَّكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ»، فبيّن بذلك أنّ أزواجه لسن من أهل بيته المقصودين في آية التطهير. [الشبهة والرّدّ ١١]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

إنّ مبايعة المهديّ هي بديل مبايعة ظلمة وطواغيت العالم، وبالتالي ستكون السبب في تضعيف قواهم وسقوط حاكميّتهم ومن جهة أخرى يضمن وحدة مسلمي العالم واجتماعهم تحت راية واحدة؛ لأنّه يبدو أنّ اختلاف وتفرّق الأمة ناشئ من الحكومات المختلفة وتحزّب المسلمين هو معلول اتّباعهم للحكّام والقوى السياسية المتفرّقة ومن الطبيعيّ أنّ كلّ فرقة ومجموعة وقوم من المسلمين تتبع زعيمها، وأنّ زعماء العالم الإسلامي كلّ يدعو إلى نفسه ونسي المهدي؛ لأنّهم إمّا أن يكونوا متجاهلين له بالأساس وعاجزين عن ذكر اسمه أو أنّهم يبلّغون أنّ ظهور المهديّ بعيد جدًّا ولا يُعلم في أيّ زمان سيحدث. كذلك يواجه زعماء العالم الإسلامي المهديّ علموا أم جهلوا ويمنعون الرأي العامّ من التأمّل حوله. في مثل هذه الظروف، لو تصوّرنا أنّ نداء الدّعوة للمهديّ والإلتحاق به والإنسلاخ عن غيره يصل إلى جميع المسلمين في العالم ويترك جميعهم الحكّام الذين انتخبوهم من دون إذن اللّه ويهرعون إلى المهديّ، ماذا سيحصل؟ حقًا مع انطلاق نهضة الحماية والطاعة للمهديّ وارتفاع شعار عودة المسلمين إليه، ماذا سيحدث في المنطقة والعالم؟ [المقالة ٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

الظاهر أنّ أول نتيجة مباركة لهكذا حركة توعوية، هي اتّحاد المسلمين في صفّ واحد وتحت بيرق واحد وتعاونهم وتوافقهم في ظلّ مبايعة خليفة اللّه وهذه أول خطوة في طريق تحقّق غايتنا الإسلامية العالية يعني تحقّق حاكميّة المهديّ عليه السلام؛ لأنّه لا ريب أنّ الإتّحاد الحقيقي والتكاتف العميق بين صفوف المسلمين، هو مقدّمة للثورة العالمية المهدوية. باعتقادنا أنّ هكذا نهضة إسلامية مباركة جعلت غايتها اتّحاد جميع المسلمين تحت بيرق المهديّ قد بدأت ونادت بنداء «العودة إلى الإسلام». إنّ قيادة هذه النهضة هي على عاتق العالم الحاذق والمناضل، سماحة العلامة المنصور الهاشمي الخراساني الذي بشجاعة خارقة ومدهشة، وضع كلمة «البيعة للّه» شعارًا لنهضته ويعتقد أنّ المصداق الوحيد للبيعة مع اللّه في عصرنا هو البيعة مع خليفة اللّه المهديّ من آل محمّد وكلّ بيعة أخرى في هذا الزمان، تعدّ مصداقًا لمبايعة الطاغوت. إذن «البيعة للّه» هي بمعنى انحصار الحكومة والقدرة في من اختاره اللّه كخليفة له وذلك ليس سوى المهديّ. هذا الذي بيده راية الإسلام الخالص والكامل، بتقديمه لهكذا قرائة أصيلة ومعتبرة، يعتقد أنّ المهديّ هو عمود خيمة الإسلام وإذا لم يثبَّت هذا العمود في الأرض، لن تقوم خيمة الإسلام. لذا فإنّ وظيفة كلّ فرد من مسلمي العالم، الحماية الكاملة والصادقة للمهديّ والنصرة والعون والطاعة له. لذلك يمكننا تسمية نهضة هذا العالم الكبير نهضة «العودة إلى الإسلام» أو نهضة العودة إلى المهديّ؛ لأنّه هو الركن الركين والمقيم الموعود للإسلام وأنّ العودة إليه في الحقيقة هي العودة إلى الإسلام الحقيقي. [المقالة ٤]

سيطرة المنافقين على العالم الإسلامي
مجتبى المزروعي

لقد وصل عناصر النفاق إلى السلطة في البلدان الإسلامية، وحكموا المسلمين؛ الحكام الذين يبدو أنهم مسلمون، لكنّ ولائهم وانقيادهم للكفار أو ضدّيتهم وعداءهم للتيارات الإسلامية يحكي عن كفرهم في الباطن. مجموعة منهم بشعارات سنّيّة ينشرون التفكير المنحط الأمويّ والعباسيّ في الكثير من الممالك الإسلامية وبإشاعة الإفراط وبالحماية السياسية والتسليحية للعصابات الإرهابية، يستهدفون نفوس وأموال المسلمين الأبرياء وفريق منهم بشعارات شيعيّة ينشرون الخرافات والبدع المذهبية في الدّول الإسلامية ويوجبون وهن الإسلام والإختلاف بين المسلمين، والعجيب أنهما اتّفقا على العداء لأطهر دعوة هذا العصر إلى إقامة الإسلام الكامل والخالص في العالم، ولا يتهاونان في الأعمال الشريرة والشيطانية لحفظ قدرتهما ومنع خليفة اللّه في الأرض من الوصول إلى السلطة! كما على سبيل المثال، أنّ عناصرهما المرتزقة وعملائهما الذين لا يؤمنون إلا بأربابهم، يتآمرون كلّ يوم لضرب نهضة «العودة إلى الإسلام» المطهّرة وهم سدٌّ في طريق قائدها الحرّ والكبير المنصور الهاشمي الخراساني ولذلك، يقترفون أيّ كذب وتهمة وظلم وعمل خبيث مؤذي. كم من الشبّان المثقفين والمتدينين الذين يمضون ويتألمون في سجونهم بجرم إجابتهم دعوة الحقّ إلى الإسلام الخالص والكامل، وكم من الرجال والنساء المحترمين والشرفاء الذين ينال من عرضهم ويتعرضون للشماتة والإهانة بجرم ترجيحهم للمهديّ على أربابهم! [المقالة ٥]

سيطرة المنافقين على العالم الإسلامي
مجتبى المزروعي

ليس هناك شك في أنّ نهاية هذا الشغب الشيطاني سيكون على يد خليفة اللّه في الأرض؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يتغلّب على هؤلاء الأشرار ودعاة الفتنة ذوي البطون الكبيرة والأعناق الغليظة سواه، وهو مهديّ آل محمد الذي بوعد اللّه ورسوله القطعيّ، يملأ الارض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، ولكنّ الحقيقة هي أنه من أجل تحقيق حاكمية هذا العظيم ومحاربته ضدّ المنافقين الأشرار، لا يمكن للناس أن يقفوا مكتوفي الأيدي ويكتفوا بالدّعاء والندبة من أجل ظهوره حضرته، بل من الضروري أن يشكّلوا اجتماعًا من المسلمين المخلصين والمجاهدين لحماية ونصرة حضرته الشاملة ويعلنوا عن استعدادهم لحفظه وإعانته وينقضوا بيعتهم الباطلة مع الحكام الآخرين ويبايعوا خليفة اللّه في الأرض؛ لأنه من غير تشكيل مثل هذا الإجتماع، لن يكون ظهور المهديّ ممكنًا ولن يكون هناك ضمان لبقائه وانتصاره، وهذا هو الهدف العظيم الذي يسعى له حضرة المنصور الهاشمي الخراساني بحركته الإسلامية والشعبية ويحاول تحقيقه ولذلك فإنّ حركته المباركة هي أفضل فرصة لتجمّع واجتماع الشباب المحبّين للمهدي والمنتظرين الحقيقين لظهوره من أجل إعلان البيعة والوفاء مع حضرته؛ الحركة التي من خلال طرح شعار «البيعة للّه»، تعتبر كلّ بيعة غير البيعة لخليفة اللّه على الأرض بيعة للطاغوت ومن خلال الإعتقاد بإمكان تحقّق حاكمية المهدي بشرط توفّر المقدّمات المذكورة، تمهّد بشكل عينيّ وعمليّ لحاكمية حضرته. لذا من الضروري أن يسارع جميع الذين صدقوا في ادعائهم محبة وانتظار فرج آل محمد ونصرتهم، في الدخول إلى الساحة، وأن يجتمعوا تحت هذه الراية الهادية وأن يجاهروا بنداء «العودة إلى الإسلام»، لتقريب وتحقيق ظهور المهديّ ولو كره المنافقون الحقراء وكادوا ينفجرون من الحسد والغضب! [المقالة ٥]

الخلافة في القرآن؛ نظرة مختصرة
أبو هادي المالكي

من الواضح أنّ لفظة «جاعل» التي هي اسم فاعلٍ لفعل «جعل» يراد منها الإستمرار بالجعل في كلّ الأزمان؛ فلو أراد سبحانه وتعالى جعل الخليفة لمرّة واحدة فقط لقال: «إنّي أجعل» أو «جعلت» ولكنّه قال: «إنّي جاعل» ليكون آدم عليه السلام أول خلفائه المجعولين مبيّنًا فيه سنّته في استخلاف الأرض وهذا ما نبّه عليه سيّدنا المنصور حفظه اللّه تعالى... كما شرط اللّه في سنّته هذه شروطًا خاصّة غير تلك التي استفهمت بها الملائكة من الإفساد في الأرض وسفك الدماء؛ حيث أنّه سبحانه وتعالى قد بيّن أنّ خلفائه -في كلّ الأزمان- غير أولئك الذي يُحتمل منهم مبادرة الإفساد في الأرض وسفك الدماء ومن خلال هذه القيود تخرج البشرية كافّة -عدا المعصومين- من الإطلاق في لفظة الخليفة المذكورة في الآية الكريمة وهذا ما نبّه عليه سيّدنا المنصور حفظه اللّه تعالى... ويؤيّد ذلك قوله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ؛ إذ لا وجه لجعل داوود عليه السلام خليفةً بعد كونه من الآدميّين الذين توهّم البعض أنّ اللّه تعالى قد استخلفهم جميعًا في الأرض، بل ظاهر الآية يدلّ على حدث من الحال الحاضر وليس على الماضي؛ كما بيّن أنّ الغاية من استخلافه الخليفة في الأرض هي الحكم -بالحقّ- والدليل على ذلك لام التعليل التي اتصلت بالفعل «لتحكم»، وعليه فلا يجوز الحكم إلا لمن جعله اللّه خليفة في الأرض كداوود عليه السلام ويجب على الناس تمكينه من الحكم وبعد هذا البيان، صار من الواجب على كلّ مسلم أن يعرف خليفة اللّه تعالى في زمانه ويمهّد لحكمه؛ كما قال سيّدنا المنصور حفظه اللّه تعالى: «إِنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاعْرِفْهُ وَاسْتَمْسِكْ بِحُجْزَتِهِ» وخليفة زماننا هذا هو المهديّ الذي سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ووعده وبشّر بأنّه «يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا». [المقالة ٦]