لماذا أجاز القرآن الإسترقاق وجعل له أحكامًا؟
ليس اتّخاذ العبد ممّا أسّسه الإسلام، ولكنّه ممّا تأسّس قبل الإسلام بآلاف السنين وانتشر في العالم بشكل ظالم، فجعله الإسلام محدودًا وأخرجه من الحالة الظالمة من خلال وضع أحكام عادلة له. العبد في الإسلام هو من كان نفسه أو أبوه عدوًّا للّه وخليفته في الأرض وأُخذ أسيرًا في الحرب مع المسلمين، ولكن بدلًا من أن يُقتل، تمّ تسليمه إلى أحد المسلمين ليعمل له في إطار أحكام الإسلام بقدر ما يستطيع، ويتمتّع مقابل ذلك بحقّ المسكن والطعام والكسوة والزواج، وهذا يشبه توظيفه كعامل بدوام كامل، ممّا يمنحه في نفس الوقت فرصة ليتعرّف على الثقافة والتعاليم الإسلاميّة، ويعتنق الإسلام طوعًا دون أيّ إكراه، وينال السعادة الحقيقيّة في الآخرة.
مع ذلك كلّه، قد حضّ الإسلام على تحرير العبيد حضًّا عظيمًا، كما قال: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ﴾[١]، ولم يكتف بذلك، بل جعل تحرير العبيد كفّارة لكثير من الذنوب، كالقتل والظهار وحنث اليمين وغير ذلك، ولم يكتف بذلك أيضًا، بل استقبح تجارة العبيد واعتبرها من شرّ المكاسب؛ كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «قَدْ أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ شِرَارَ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَبِيعُونَ النَّاسَ»[٢]، وفي رواية أخرى أنّه قال: «شَرُّ النَّاسِ مَنْ بَاعَ النَّاسَ»[٣]، وفي رواية أخرى أنّه «نَهَى حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ»[٤]، وفي رواية أخرى أنّه قال: «التِّجَارَةُ فِي الرَّقِيقِ مُمْحِقَةٌ»[٥]، وفي رواية أخرى أنّه قال للنّاس عندما تكلّموا في رجل مات وكان يحبّه حبًّا شديدًا: «رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا لَوْ كَانَ نَخَّاسًا لَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ»[٦]، والنخّاس بائع العبيد، وهذا دليل واضح على بغض هذا الدّين الرّحمانيّ لاتّخاذ العبيد وميله الشديد إلى تحريرهم، بعد حضّه العظيم على الرّفق والإحسان بهم خلال عبوديّتهم؛ كما يظهر ذلك ممّا روي عن عليّ عليه السلام قال: «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»[٧]، وعن أمّ سلمة قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: اللَّهَ اللَّهَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَمَا يُفِيضُ»[٨]، وعن أنس بن مالك قال: «كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ، وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ»[٩]، وعن كعب بن مالك قال: «أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمُ، أَلْبِسُوا ظُهُورَهُمْ، وَأَشْبِعُوا بُطُونَهُمْ، وَأَلِينُوا لَهُمُ الْقَوْلَ»[١٠]، وعن يزيد بن جارية[١١] قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، فَإِنْ جَاؤُوا بِذَنْبٍ فَلَمْ تُرِيدُوا أَنْ تَغْفِرُوهُ فَبِيعُوا عِبَادَ اللَّهِ وَلَا تُعَذِّبُوهُمْ»[١٢]، وعن أبي ذرّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ»[١٣]، وعن أبي هريرة قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الْمَمْلُوكُ أَخُوكَ، فَإِذَا صَنَعَ لَكَ طَعَامًا، فَأَجْلِسْهُ مَعَكَ، فَإِنْ أَبَى فَأَطْعِمْهُ فِي يَدِهِ»[١٤]، وعنه قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ»[١٥]، وعن عائشة قالت: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوصِينِي بِالْمَمْلُوكِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا أَوْ وَقْتًا إِذَا بَلَغَهُ أُعْتِقَ»[١٦]، وعن أبي مسعود الأنصاريّ قال: «كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اللَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ! فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ»[١٧]، وعن عبد اللّه بن عمر قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خَادِمًا يُسِيءُ وَيَظْلِمُ، أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: تَعْفُو عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً»[١٨]، وروي «أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ تَبْكِي، قَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: بَاعَ ابْنِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي أُسَيْدٍ: أَبِعْتَ ابْنَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فِيمَنْ؟ قَالَ: فِي بَنِي عَبْسٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبْ أَنْتَ بِنَفْسِكَ فَأْتِ بِهِ»[١٩]، وروي «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَأَصَابَ سَبْيًا، فَجَاءَ بِهِمْ فَاحْتَاجَ إِلَى ظَهْرٍ فَبَاعَ غُلَامًا مِنْهُمْ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَرَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَبْكِي، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: احْتَجْتُ إِلَى بَعْضِ الظَّهْرِ، فَبِعْتُ ابْنَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ فَرُدَّهُ أَوِ اشْتَرِهِ، قَالَ: فَوَهَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَكَانَ خَازِنًا لَهُ»[٢٠]، وفي رواية أخرى: «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيهِ يُنَادِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنَ الرَّقِيقِ»[٢١].